March 21, 2021

 

بتاريخ 14/11/2020 أصدر رئيس الوزراء أمر الدفاع رقم 21 والمتضمن مجموعة من الاجراءات والتدابير المتعلقة بعمل السلطة القضائية، وهو الأمر الذي طرح تساؤلاً عريضاً حول موافقة مضامين هذا الأمر للقواعد الدستورية الثابتة ومدى صلاحية السلطة التتنفيذية ممثلة برئيس الوزراء للتدخل في تنظيم شؤون السلطة القضائية.

 

بدايةً، فإن المادة 3 من قانون الدفاع تنص على:

“أ. يناط تطبيق هذا القانون برئيس الوزراء لاتخاذ التدابير والاجراءات الضرورية لتأمين السلامة العامة والدفاع عن المملكة دون التقيد بأحكام القوانين العادية المعمول بها.

ب. يمارس رئيس الوزراء صلاحياته بموجب اوامر خطية.

ج. لرئيس الوزراء تفويض جميع صلاحياته او بعضها لمن يراه اهلا للقيام بذلك في جميع انحاء المملكة او في منطقة محددة منها وبالشروط والقيود التي يعينها.”

وتنص المادة 10 منه على:

“يوقف العمل بأي نص او تشريع يخالف اي حكم من احكام هذا القانون والاوامر الصادرة بمقتضاه.”

وقبل الخوض في توضيح المقصود من المادتين أعلاه لا بد من التنويه الى أن المادة 4 من القانون ذاته نصت على:

“لرئيس الوزراء ممارسة الصلاحيات التالية:

أ. وضع قيود على حرية الاشخاص في الاجتماع والانتقال والاقامة، والقاء القبض على المشتبه بهم او الخطرين على الامن الوطني والنظام العام واعتقالهم.

ب. تكليف اي شخص بالقيام باي عمل او اداء اي خدمة ضمن قدرته.

ج. تفتيش الاشخاص والاماكن والمركبات دون التقيد باحكام اي قانون آخر، والامر باستعمال القوة المناسبة في حالة الممانعة.

د. وضع اليد على الاموال المنقولة وغير المنقولة وتاجيل الوفاء بالدين والالتزامات المستحقة.

هـ. منع او حصر او تقييد استيراد المواد او تصديرها او نقلها من مكان الى آخر، وتحديد التعامل بها وحظر اخفائها او اتلافها او شرائها او المقايضة عليها وتحديد اسعارها.

و. الاستيلاء على اي ارض او بناء او طريق او مصدر من مصادر المياه والطاقة وان ينشئ عليها اعمالا تتعلق بالدفاع وان يزيل اي شجار او منشآت عليها، وان يامر بادارتها واستغلالها او تنظيم استعمالها.

ز. اخلاء بعض المناطق او عزلها وفرض منع التجول فيها.

ح. تحديد مواعيد فتح المحلات العامة واغلاقها كلها او بعضها.

ط. تنظيم وسائل النقل والمواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة، واغلاق اي طريق او ممر او مجرى ماء او تغيير اتجاهه ومنع حركة السير عليه او تنظيمها.

ي. مراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والنشرات والرسومات وجميع وسائل التعبير والدعاية والاعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها واغلاق اماكن اعدادها.

ك. منع اخذ صور او عمل تصاميم او خرائط لاي مكان او شيء بعينه قد يفيد العدو ومنع الاحتفاظ بجوار هذه الاماكن والاشياء باي اجهزة تصوير او مواد لعمل الصور والتصاميم والخرائط ومنع المكوث او التاخر في مثل هذه الاماكن دون عذر مشروع.

ل. الغاء رخص الاسلحة النارية والذخائر والمفرقعات والمواد القابلة للانفجار او التي تدخل في صناعة المتفجرات ومنع صنعها او بيعها او شرائها او نقلها او التصرف بها والامر بتسليمها وضبطها واغلاق محلات بيعها وخزنها.

م. منع صنع اجهزة الاتصال او بيعها او شرائها او حيازتها والامر بتسليمها وضبطها.”

وهنا نطرح التساؤل التالي:

هل يمنح قانون الدفاع رئيس الوزراء صلاحيات مطلقة لطالما كان الهدف منها ضمن الغايات المحددة في المادة 3 منه؟! أم أن سلطاته قاصرة على ما ورد في المادة 4 من القانون ذاته، بمعنى هل الحالات الواردة في المادة 4 وردت على سبيل الحصر وهي توضح جميع المكنات الممنوحة لرئيس الوزراء أم أنها وردت على سبيل المثال وبالتالي لا يجوز فرض أي تدابير بخلاف ما ورد فيها؟!!!

بدايةً، نحن نؤكد أن الحالات الواردة في المادة 4 من قانون الدفاع وردت على سبيل المثال لا الحصر، وأن صلاحيات رئيس الوزراء تكون وفق مقتضى المادة 3 مطلقة ولكن ضمن اطار الحالة التي تقرر لأجلها اعمال قانون الدفاع، بمعنى –وبخصوص جائحة كورونا- فإنه يحق للرئيس اتخاذ ما يلزم من تدابير (من خلال أوامر الدفاع) لغايات مجابهة هذه الجائحة والحفاظ على السلامة العامة، والتخفيف من آثار الجائحة صحياً واقتصادياً وسياسياً… الخ، وهو الأمر الذي يعكس حقيقة الفكر التشريعي من تقرير هذا القانون، والسماح بتفعيله.

وعلى النقيض من ذلك، فإن قيام رئيس الوزراء بإصدار أي اوامر دفاع لا تنضوي تحت الغاية من تفعيل القانون (مجابهة الجائحة) يعطي المكنة لكل ذي مصلحة للطعن بتلك الأوامر بطلب الغائها لدى القضاء الاداري.

عموماً، وازاء الفكر المتقدم، ينبغي فهم ما يلي:

(1) ان نطاق تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه ليس قاصراً على قانونٍ معين، وبالتالي فإن أوامر الدفاع قد تشمل قواعد قانونية موضوعية أو اجرائية حسب مقتضى الحال.

(2) ان صلاحية رئيس الوزراء مطلقة لا يحدها الا ان يكون أمر الدفاع متعلقاً بالغاية التي لأجلها تم تفعيل قانون الدفاع (لغايات مجابهة جائحة كورونا).

وعوداً على ذي بدء، وبالرجوع الى أمر الدفاع رقم 21 والمتعلق بمجموعة من الاجراءات القضائية، نوضح التالي:

أولاً: قرر أمر الدفاع تعطيل مرفق القضاء لمدة عشرة أيام وذلك لغايات الحفاظ على سلامة القضاة والمحامين خصوصاً ومراجعي المحاكم عموماً على ضوء ازدياد حالات كورونا بين العاملين في هذا السلك.

وقد تعالت أصواتٌ كثيرة بأن ما تقدم يشكل مساساً خطيراً باستقلال السلطة القضائية، وتعدياً على صلاحياتها، وتعطيلاً لمرفق القضاء، وفي هذا المقام نرى أن ما تقدم ليس له نصيب من واقع الحال، ذلك أنه:

(1) يتضح من مضمون أمر الدفاع أن التعطيل ليس كاملاً بل نص أمر الدفاع على بقاء بعض الجهات القضائية على رأس عملها وذلك للبت ببعض المسائل.

(2) كذلك، أعطى امر الدفاع صلاحية لرؤساء المحاكم لتسمية القضاة الي سيبقون على رأس عملهم.

(3) سبق صدور أمر الدفاع قرار من المجلس القضائي بتاريخ 12/11/2020 قرر تعطيل عمل المحاكم لذات المدة موضوع أمر الدفاع، لا بل وبنفس الصيغة.

(4) القاعدة العامة أن الضرر الأكبر يدفع بالضرر الأصغر، وأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، ومن ثم فلا غضاضة بتقرير تعطيل مرفق القضاء بصورة جزئية لطالما كان ذلك لمصلحة أكبر الا وهي الحفاظ على سلامة العاملين بهذا المرفق الهام، واتخذا ما يلزم من تدابير تحضيراً للمرحلة المقبلة وفق ما سيلي بيانه لاحقاً.

(5) أمر الدفاع بجميع تفاصيله موافق لمقتضى المادة 3 من قانون الدفاع، وصدر لغايات مجابهة جائحة كورونا والحفاظ على السلامة العامة، واتخاذ تدابير حقيقية لتقليل الاختلاط بين مراجعي المحاكم.

ثانياً: أوقف أمر الدفاع سريان المدد المنصوص عليها في التشريعات النافذة وذلك سواء أكانت هذه المدد مدد سقوط أو تقادم أو مدداً اجرائية أو موضوعية، وذلك رعاية لمصالح المتقاضين ولمنع انقضاء المدد بحقهم ومرفق القضاء في حالة تعطيل، هذا مع التنويه أيضاً أن المجلس القضائي في جلسته المؤرخة في 12/11/2020 أصدر ذات القرار (ايقاف المدد) مع تحفظنا على هذه المسألة اذ لا يملك المجلس القضائي أي صفة لتقرير وقف المدد المنصوص عليها في التشريعات النافذة، واننا في هذا المقام نرى أن أمر الدفاع استدرك الخطأ الذي وقع فيه المجلس القضائي من خلال تقريره لما لا يملك حق البت فيه.

ثالثاً: فوض أمر الدفاع المجلس القضائي بتقرير المواعيد الجديدة للجلسات الواقعة خلال مدة الوقف واعتبر أن نشر قرار المجلس القضائي لهذه المواعيد على المواقع الالكترونية بمثابة تبليغ أصولي للكافة.

رابعاً: قرر أمر الدفاع مجموعة من الاجراءات التي يتعين تطبيقها على الدعاوى المدنية المنظورة أمام كافة المحاكم ودوائر التنفيذ، وذلك على النحو التالي:

(1) الزام المتقاضين أو وكلائهم بالتصريح عن عنوان بريد الكتروني/ أو رقم هاتف معتمد للمحكمة ذات العلاقة قبيل التاريخ المشار اليه، وذلك حتى يصار الى تبليغه على هذا العنوان الالكتروني أو رقم الهاتف (وذلك برسالة و/أو بريد الكتروني)، وفي حال تخلف أي من الفريقين عن الالتزام بذلك يصار الى السير بإجراءات الدعوى وفقاً للأحكام المقررة لغياب الخصم (اجراء المحاكمة وجاهياً اعتبارياً أو بمثابة الوجاهي أو اسقاط الدعوى حسب مقتضى الحال).

(2) تطبق ذات الأصول على الخبراء والشهود، وإذا ما تعذر الحصول على بريد الالكتروني أو أرقام هواتفهم ففي هذه الحالة تطبق عليهم القواعد الاجرائية العادية المقررة في قانون اصول المحاكمات المدنية (التبليغ بالطرق المعتادة).

(3) التبليغات المجراة وفق ما تقدم منتجة لآثارها القانونية من اليوم التالي لاجراء التبليغ.

وفي هذا المقام لا بد من الاشارة الى الدور الجوهري المناط بوزارة العدل لغايات اجراء التدابير اللازمة الكفيلة بتحقق المحكمة من اجراء التبليغ وفق ما تقدم، وايداع الدليل بوقوعه للمحكمة حتى تتمكن من السير بالدعاوى وفق الأصول.

(4) كذلك، فإن تسجيل الدعاوى والطلبات والطعون وكذلك مختلف اللوائح والمذكرات والبينات ودفع الرسوم عنها –ان وجدت- يجب أن يتم الكترونياً أو من خلال ايداعها ورقياً في قلم المحكمة المختصة وذلك وفق الآلية التي يقررها رئيس تلك المحكمة، بمعنى أن أمر الدفاع فوض رئيس كل محكمة الصلاحية بتقرير آلية قيد الدعاوى والطعون والطلبات لدى المحكمة التي يرأسها.

(5) كما قرر أمر الدفاع منح التوقيع الالكتروني الوارد على مذكرات / اللوائح / الطلبات المقدمة الكترونياً ذات حجية التوقيع العادي، وفوض وزير العدل بإصدار تعليمات ناظمة لذلك وتحديد موعد نفاذ هذه الحجية.

(6) وفي بادرة تدل على فطنة محمودة نص أمر الدفاع أن تاريخ ارسال ما تقدم الكترونياً هو التاريخ المعتبر، ذلك أنه قد يحصل خلل في النظام بحيث ترسل المذكرة ولكنها لا تصل للمحكمة في ذات وقت ارسالها وانما بتاريخ لاحق، وليس من العدالة بمكان اعتماد تاريخ وصولها الى النظام الالي لدى المحكمة لأن ذلك قد يفوت المدة القانونية للإجراء بحق من قام به لسبب لا يد له فيه، وانما –حسب أمر الدفاع- فإن التاريخ المعتبر هو تاريخ الارسال وليس تاريخ الوصول.

(7) خول أمر الدفاع المحاكم اصدار قراراتها الاعدادية والتمهيدية بغيبة الخصوم على ان تبلغ لهم وفق اجراءات التبليغ سالفة الاشارة (بالبردي الالكتروني/ من خلال رسالة هاتفية)، ويحق للفرقاء الرد على مضمون القرار بذات الطرق اعلاه (الكترونياً/ أو بإيداع المذكرة في قلم المحكمة يدوياً) وذلك خلال المدة التي تقررها المحكمة، وبطبيعة الحال تبلغ هذه المذكرات للطرف المقابل وفق الآلية ذاتها  (البريد الالكتروني/ أو رقم الهاتف المعتمد).

(8) نص أمر الدفاع صراحة على تكريس التقاضي عن بعد بوساطة وسائل الاتصال المرئي والمسموع والتقنيات المتاحة لذلك لعقد جلسات المحاكمة، على أنه يستثنى من ذلك الجلسات التي تعقد بخصوص:

  • سماع الشهود إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك.
  • جلسة افهم الخبير المهمة الموكلة اليه وتحليفه القسم القانوني وتسليمه المستندات والانتقال لاجراء الكشف والمعاينة والاستكتاب وفي الاحوال التي يتعين اجراء ذلك الكشف باشراف المحكمة وتحت رقابتها.
  • اداء اليمين الحاسمة أو اليمين المتممة أو أي يمين أخرى مقررة قانوناً، وذلك بالنسبة للخصم الذي تقرر تحليفه اليمين.
  • استجواب الخصـوم.
  • الجلسة الختامية لغايات إبداء الأقوال الأخيرة بخصوص المرافعات والنطق بالحكم، وبرأينا فإنه يجوز للخصوم تقديم مرافعاتهم كتابة من خلال توديعها الكترونياً أما اذا رغبوا بإبدائها شفاهاً فإن ذلك ينبغي أن يكون من خلال جلسة منعقدة وفق الأصول المعتادة وليس عن بعد.

إذ في هذه الحالات يجب أن تعقد الجلسات وفق الأوضاع المقررة في قانون أصول المحاكمات المدنية ولا يجوز استخدام آليات الاتصال المرئي والمسموع فيها، تحت طائلة بطلان الاجراء.

هذا وننوه أن امر الدفاع قرر سريان أحكام التبليغ الموضحة أعلاه على اجراءات التبليغ في الدعاوى الجزائية.

ان ما تقدم من اجراءات مستحدثة لهو من قبيل التقدم غير المسبوق في أتمتة اجراءات التقاضي، وان كان الحديث عن هذه الاجراءات ليس وليد اللحظة على أن الظروف القائمة فرضت على الجهات المعنية تقرير ما تقدم على وجه السرعة بهدف تخفيف الضغط على مرافق القضاء والحد من كونها بيئة خصبة لانتقال عدوى كورونا، ناهيك عما تشهده محاكم المملكة من ازدحام بشري يومي.

ومن جانب آخر فإن فيما تقدم تحقيق نتائج ايجابية على صعيد توفير الوقت سواء للقضاة أو للمحامين على حدٍ سواء.

وبالنتيجة، ولطالما أن ما سبق بيانه من تدابير انما اتخذ لغايات مجابهة جائحة كورونا ولغايات ضمان سلامة العاملين في السلك القضائي وموظفي المحاكم ومراجعيها من محامين ومواطنين فإن هذه التدابير منضوية حتماً تحت مظلة قانون الدفاع، لا شبهة تنال من سلامتها من ناحية قانونية، وتكون واجبة الاحترام جديرة بالانفاذ من الكافة.

***

Require assistance?

Contact us

Melbourne:            +61 3 8691 3150
Dubai (DIFC):        +971 600 521 607
Toronto:                  +1 416 645 6426
Abu Dhabi:            +971 600 521 607